في معرض حديثه عن العديد من كتاب وشعراء مصر ذوي الأصول الفلاحية الفقيرة والذين نشأوا في بيئات الحرمان والاضطهاد الطبقي والأمية والبطـالة يصف الكـاتب المصري (صلاح عيسى) القرية المصرية بأنهـا "المشتل المتجـدد للقيم والمواهب".. وبالفعل فقد عرف الأدب العربي وتاريخ الحركـات السياسية المناهضة للاستعمار والديكتاتوريات والرجعية العديد من الأدباء والمفكرين والمناضلين والفنانين الذين أثــْرتْ بهم الحياة وتجمهر حولهم المضطهدون والمتطلعون إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والتطور
.
.
.
نجيب سـرور واحد من هـؤلاء..
.
.
فقد ولد في عام 1932 في قرية فلاحيـة صغيرة تقتات بجني مـا يزرع أهلها ومـا يربون من الدواجن والمواشي بعيدا ً عن أية رعاية حكومية وترسل أبنـاءهـا بقليل من الحماس إلى المدارس الحكومية المجانية المكتظة بالتلاميذ يتعلمون بشروط بائسة القليل من المعرفة والعلم بعكس مدارس المدن الكبيرة أو المدارس الخاصة المكلفة.. ولكن مـا يتعلمه فتى مرهف الإحساس و كبير القلب وإنساني المواقف من أدب وشعر ولغة وتاريخ وفلسفة خلال المرحلة الثانوية مثل نجيب سرور كـاف لخلق الشاعر والفنـان الذي يتحدى الظلم والاضطهاد وهو يراه بعينيه الواسعتين وقلبه الحار قولا ً يتحرض بسببه زمـلاؤه إلى جـانبه ضد الظلم والقهر والاستغلال.. فكانت ولادة الشاعر المناضل الفتي الذي سرعـان مـا ظهرت مواهبه الفنية الأخرى.. فالشعر كلمـة سهلة التكوين وسريعة الوصول والمسرح هو الفضاء الآخر الأكثر رحابة وتأثيرا ً في حياة الناس.. يـُدخلـُهم إليه ليـُريهم مـا لا يرونه في حياتهم المعتادة.. إدراك نجيب أهمية عالم المسرح بالنسبة لقضيته الأولى، النضال من أجل كشف الحقيقة سعيا ً للحرية والعدالة، جعلته يترك دراسته الجامعية في كلية الحقوق قبل التخرج بقليل والالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي حصل منه على الدبلوم في عام 1956 وهو في الرابعة والعشرين من العمر