فرقة مرعوشة، تخاف من خيالها، صعدت للدور قبل النهائى بالصدفة، خفقت قلوب لاعبيها وجهازها الفنى بنفس طريقة خفق البيض فى برامج إعداد الأطعمة، وتحولت سيقان لاعبيها لعيدان مكرونة مسلوقة، وظهروا مهتزين مرتعشين مثل الجيلى خاصةً بعدما فوجئوا بالضغط العصبى الرهيب من الجماهير فى إستاد القاهرة، فكثرت أخطائهم ومنحوا المنافس كل الفرص الممكنة والغير ممكنة ليسجل هدفاً، حتى أنهم سجلوه له بأنفسهم، ويضيع نفس المنافس عدة أهداف عن طريق مهاجميه الذين لبدوا فى غيطان الذرة طوال المباراة دون أن يخطر ببال أحدهم أن يقوم ليطخ عيارين داخل المرمى المفتوح، واكتفى المهاجمين بطخ العيارات فى الهواء فقط!
فريق لا يملك خبرة البطولة، ولا الثبات النفسى لمواجهة فريق بحجم الأهلى، صنع منه (مانويل جوزيه) أسطورة فى عالم الكرة الإفريقية، أو بالأصح صنع منهما، فقد صنع (جوزيه) للأهلى مجداً عظيماً فى القارة لم يبلغه فريق من قبل، ثم تمكن اليوم من صناعة مجد وصيت مشابهين لما صنعه للأهلى، ولكن هذه المرَّة كان لصالح الفريق الليبى المسكين، الذى كانت غاية آماله وأقصى أحلامه أن يصمد أمام الأحمر ويكتفى بهدفين أو ثلاثة فقط داخل الشباك الزرقاء، وكان الله بالسر عليم، وقام بتأهيل لاعبيه وجماهيره لهذه الخسارة منذ بداية المباراة الأولى، ولكن اليوم اختلف الوضع تماماً!
الأهلى بدأ بأنسب تشكيل ممكن، فـ(بركات) فى اليمين للزيادة الهجومية من الجنب واستغلال سرعته ومهارته، ولا خلاف على (جلبرتو) فى اليسار، وفى الوسط أجهز لاعبين (بوجلبان) و(عاشور).. وهجومياً (أبو تريكة) مع (متعب) و(فلافيو).. وعلى الرغم من ظهور (تريكة) بدون مستواه الحقيقى، ووضوح معاندة الكرة لـ(متعب) و(فلافيو) إلا أن الأخيرين تحركا كثيراً وتسبب الأول فى تسجيل هدف المباراة الوحيد، وتحرك الثانى كثيراً بالكرة وبدونها، وإن كان يعيبه كثرة اعتراضه على زملاءه، وبالنسبة لـ(أبو تريكة) فقد تأخر تغييره جداً، وأعلم أن وجوده فى الملعب بأى مستوى كان، يعتبر ـ على الأقل ـ عبء نفسى رهيب على المنافسين، بالإضافة لأن (أبو تريكة) ممكن أن يمرر تمريرة واحدة تساوى هدفاً أو يسجل فجأة من تسديدة أو ضربة حرة، ولكن ما حدث أن (جوزيه) عندما فطن لضرورة إخراج (تريكة) أشرك بدلاً منه (وائل جمعة) وكأنه يدعو الفريق الليبى لمهاجمة فريقه، ويفسح لهم المجال للسيطرة، معلناً أننا استكفينا وشطبنا، ونلنا المراد من رب العباد، وربنا يديمها نعمة ويحفظها من الزوال، ومن رضى بقليله عاش، لنعيش نحن لحظات عصيبة كادت أن تحدث فيها الكارثة لو سجل الاتحاد الليبى هدفاً عشوائياً أو ملعوباً أو من ضربة جزاء أو أى حاجة!
لا أعلم كيف لفريق بحجم الأهلى، بطل القارة لسنتين متتاليتين، وصاحب كبشة البطولات فى الثلاث سنوات الأخيرة، أن يدافع بهذه الطريقة أمام فريق أقل من العادى، حولناه نحن إلى أسطورة بفضل تراجعنا أمامه وإفساح الطريق له لفرد عضلاته الشبيهة بعضلات (أحمد عيد) والتى حولها تراجع (جوزيه) إلى عضلات (أرنولد شوارزينجر)!
فبعد خمسة وخمسين دقيقة من المباراة وإضاعة الفرص السهلة والسيطرة التامة، كان الخيار الغريب أمام البرتغالى أن يبدأ فى التفكير فى الدفاع، بدلاً من إشراك مهاجم "فايق" مثل (أسامة حسنى) أو (الويشى) أو حتى (أحمد صديق) لتحريك المياه الراكدة، ومحاولة التغلب على سوء الحظ الذى يواجهه (فلافيو) و(متعب)، وكان الواجب إشراك أحد الثلاثة بدلاً من (أبو تريكة) بدلاً من (وائل جمعة) ثم توجيه دعوة صريحة ومباشرة للخصم ليركب المباراة ويدلدل رجليه.. لماذا؟! لو كان الخصم فريق بكل هذه القوة أو فريق عنيد أو قوى لكان الدفاع له مبرر، ولكنه فريق مستسلم يرغب فى الخروج بأقل الخسائر، فلماذا هذا التراجع العجيب؟! وماذا كان سيحدث لو منى مرمانا بهدف لا قدر الله فى الوقت القاتل؟!
لا أعلم لماذا تخلى (جوزيه) عن الهجوم ليضع الفريق فى هذا الموقف المحرج لأكثر من عشرين دقيقة قضتها الجماهير على أعصابها، وكلما اقتربت المباراة من نهايتها زاد الضغط العصبى الرهيب، لأن الخلطة التى صنعها (جوزيه) بتغييراته منحت كل التفوق للمنافس، وقدمت له ما لم يستطيع مديره الفنى نفسه تقديمه، لتتحول عيدان المكرونة لأسياخ كباب وقوالب الجيلى لثمار دوم، ولولا ستر ربنا لكان طبق اليوم هو البيض!