«سيارة الترحيلات»، قد نراها يومياً في طريقها من الحجز إلي السجن أو إلي قاعة المحكمة والعكس، نشاهدها مثل الصندوق، زرقاء أو خضراء اللون، وبها نوافذ لا تزيد علي مساحة نصف الوجه، يطل منها أشخاص بأعينهم فقط، ليلتقطوا نسمة هواء قد تنقذهم من الاختناق بالداخل، لن يصدق أحد ما يدور بداخلها إلا إذا شاهد بعينه، عدد من السجناء والمعتقلين السياسيين قصوا حكايتهم مع تلك السيارة، كما شارك قانونيون وأمنيون برأيهم في السطور التالية.
«مينا ذكري»، هو طبيب تم اعتقاله في مظاهرة احتجاجاً علي التعديلات الدستورية في مارس الماضي، كانت له قصة مع سيارة الترحيلات، قضي بداخلها ٤ ساعات، أكد أنه لم يتمكن من الحصول علي زجاجة ماء إلا بعد مرور فترة طويلة، ثم اضطر إلي استخدامها لقضاء حاجته.
ووصف هشام طليب -إخصائي معلومات- احتجازه داخل سيارة الترحيلات بأنه غير قانوني إذ تم اختطافه من الشارع، أثناء اشتراكه في مظاهرة ضد التعديلات الدستورية، واحتجازه خمس ساعات فاضطر إلي التخفف من ملابسه شيئاً فشيئاً، والتوقف عن الكلام نهائياً عندما تم إغلاق فتحات التهوية، وانتهي الأمر بإطلاق سراحه في منطقة الساحل، عند أطراف القاهرة دون أن يتم تحرير محضر له في قسم الشرطة.
ويقول محمد جمال بشير تم اعتقاله في مظاهرة: إن ترحيل السجناء الجنائيين أكثر بشاعة من ترحيل المعتقلين السياسيين، مشيراً إلي أن ترحيله مع السجناء داخل هذه السيارة استمر ١٣ يوماً دون تناول كميات مناسبة من الطعام والشراب، إلي جانب حشد أعداد ضخمة من الأفراد بالسيارة، فاضطر إلي الجلوس فوق العجلة الاحتياطية الملقاة بداخلها.
واختلف الأمر عند ترحيله مع معتقلين سياسيين، فقد تم احتجازه لمدة لم تزد علي ٢٠ ساعة، وقدموا لهم «علب الكشري» كوجبات غذائية اضطروا إلي استخدامها لقضاء حاجتهم فيما بعد.
ويقول «عمرو مصطفي» - أحد المعتقلين السياسيين - إن احتجازه استمر لأكثر من ٢١ ساعة في درجة حرارة مرتفعة للغاية في سيارة سيئة التهوية، إذ تم إغلاق الشفاط وفتحات التهوية الأمر الذي تسبب في انتشار رائحة كريهة بالسيارة.
وأكد أن أسوأ ما واجههم هو تعرض أحد المرحلين معه - الذي تم الاعتداء عليه بالضرب أثناء اعتقاله - إلي «أزمة سكر» واستمر الحال حتي تم إلقاؤهم في التجمع الخامس.
كما أكد «محمد زارع» مدير الجمعية المصرية لمساعدة السجناء أن المشكلة في سيارات ترحيل السجناء وجنود الأمن المركزي - علي حد سواء - تكمن في نقل أعداد ضخمة من الأفراد فوق الحمولة المحددة دون أن يتم توفير عدد كاف من المقاعد مما يؤدي إلي تعرض الأفراد للسقوط أثناء سير السيارة مشيراً إلي أن مساحة السيارة «٣*٤ متر» تقريباً مغطاة بالصاج فتكون مرتفعة الحرارة صيفاً وشديدة البرودة شتاءً، وتوجد بها ثماني فتحات للتهوية مغطاة بأسياخ حديدية وطبقتين من السلك.
وأكد «زارع» أن وزارة الداخلية لم تنفذ وعودها بشأن تطوير سيارات الترحيلات رغم وفاة المهندس «أكرم زهيري» مختنقًا بداخلها.
من ناحية أخري، أكد «محمود قطري» ضابط شرطة سابق أن الأجهزة الأمنية في مصر ليس لديها ثقافة احترام حقوق الإنسان مشيرًا إلي أن سيارات نقل «أنابيب البوتاجاز» أكثر آدمية من سيارات الترحيلات، وقال إنه يذكر وقوع حادث تحرش جنسي بالسيارة أثناء فترة خدمته بالوزارة.
وأوضح ضرورة بيع هذه السيارات، واستبدال حافلات الركاب جيدة التهوية بها والمحاطة بجميع الإجراءات الأمنية كما هو الحال في الدول التي تحترم حقوق السجناء وتلتزم بتنفيذ العقوبة القانونية الموقعة عليهم.
وقال الدكتور «محمد عبد الموجود صالح» رئيس قسم هندسة السيارات بجامعة عين شمس أن سيارات نقل الركاب يجب أن تلتزم بالمعايير التي تضمن سلامتهم وراحتهم، بحيث يتساوي عدد الركاب مع عدد المقاعد المتوفرة فعليا، ولا تقل المساحة المخصصة لكل راكب عن «٤٥ سم»، ولا يتم نقل أكثر من ١٢ راكباً بسيارة الترحيلات.
وأشار إلي أن سيارات الترحيلات هي في الأساس سيارات نقل البضائع يتم تغطيتها بالصاج لنقل السجناء بها مؤكدًا أن «فرنسا» بلد الحرية تستخدم نفس النوع من السيارات لترحيل سجنائها.
وصرح مصدر بالهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة - رفض نشر اسمه - أنه لا توجد مواصفة قياسية مصرية تحدد المعايير الواجب توافرها في سيارات ترحيل السجناء، مشيرًا إلي أن وزارة الداخلية تحصل علي كراسة المواصفات الخاصة بهذه السيارات من «فرع إمداد الشرطة بالكيلو ٣ طريق الإسماعيلية» وهي سيارات يتم تصنيعها في شركات «النيل للسيارات» و«النصر للسيارات» ويتم تعديل تصميمها بالورش التابعة للوزارة.