gomo ا لإ د ا ر ه
مشاركات : 438 نقاط : 849 تاريخ الميلاد : 23/07/1992 العمر : 32 الابراج : العمل/الترفيه : لاعب كمال اجسام المزاج : تمام اوى تاريخ التسجيل : 27/04/2009 الجنس :
| موضوع: خلافة أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -, الخلافة الراشدة الأولى الخميس 15 أكتوبر 2009, 18:58 | |
|
إن شاء الله تبارك وتعالى نعرض لكم سيرة خلافة الصديق الأول ، صاحب الخلافة الأولى الراشدة ، لكي نستقي منها العبرة والعظة ، فحاضر الأمم يبنى على ما كان عليه ماضيها ، وخاصة إذا كان ماضي هذه الأمة هم محمد رسول الله وأصحابه الذين مدحهم الله في كتابه أكثر من مرة ، فإن شاء الله بعد أن ننتهي من عرض خلافة الصديق نتلوه بخلافة الفاروق ثم عثمان ثم علي - رضي الله عنهم أجمعين - ، وليس لنا في هذا الموضوع شئ إلا النقل لكم ، لما رأيناه من فائدة في الموضوع ، فنسأل الله أن يجزل الثواب لكاتبه الأصلي ولكل قارئ للموضوع ولكل منتفع به.
نبدأ في عرض خلافة الصديق ، وتكون بدايتنا من حيث نهاية أزهى الأيام وأبهى الأيام ، منذ وفاة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ، نعرض وفاة الرسول وموقف الصديق فيه ، ثم نتطرق بعد ذلك إلى باقي نقاط الخلافة.
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
مقدمة
لا أعتقد أن رجلًا في التاريخ منذ نزول آدم إلى هذه الأرض، وإلى يوم القيامة، نال أو سينال حبًا وتقديرًا وإجلالًا، مثلما نال رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ويكفي أن نفكر في هذه الكلمة البسيطة التي ألفنا سماعها، واعتدنا ذكرها، فلم نقدر لها قدرها الحقيقي، وقيمتها الأصلية، كلمة ( رسول)، رسول قبر النبي صلى الله عليه وسلممن؟
إنه رسول الله، الله عز وجل، الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما، الذي خلق الشمس والقمر والنجوم والكواكب، الذي خلق الجبال والبحار والأنهار، الذي خلق الإنس والجان والملائكة، العزيز الذي لا يُغلب، الحكيم الذي تناهت حكمته، الحي القيوم الذي لا ينام، الله عز وجل، الرحيم بخلقه، الكريم، الحنان المنان.
الله عز وجل أرسل إلى خلقه رسولًا يبلغهم رسالته، الله عز وجل في علوه وكبريائه وعظمته، أرسل إلى الخلق الضعيف البسيط القليل، أرسل إليهم رسولًا منهم، أيّ تشريف! وأيّ تعظيم! وأيّ تكريم!
وإذا كان البشر قد كُرموا بإرسال الرسول إليهم، فكيف الذي اصطفاه الله من بلايين بلايين الخلق لكي يرسله إلى الناس برسالته؟
رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم صنعه الله على عينه، خلقه، ورباه، وعلمه، وأدبه، وحسن خلقه، وقوى حجته، وزكى سريرته، وطهر قلبه، وجمل صورته، وحببه في خلقه، وحبب الخلق جميعًا فيه، فلا يراه أحد إلا وأحبه، ولا يسمع به أحد إلا وأحبه، ولا يقرأ عنه أحد إلا وأحبه، رسول الله صلى الله عليه وسلم خير البشر، وأفضل الدعاة، وسيد المرسلين، وخاتم النبيين، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُوّفى حقه في مجلدات ومجلدات، ولا في أعوام وأعوام، فقد وضع الله فيه خلاصة الفضائل البشرية، وكلما تعرضت لجانب من جوانب حياته صلى الله عليه وسلم حار عقلك، كيف كان على هذه الصورة البهية النقية؟
ولا تملك إلا أن تقول: سبحانه الذي صوره فأحسن تصويره، وأدّبه فأحسن تأديبه، وعلّمه فأحسن تعليمه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على علو قدره، وسمو منزلته، يعيش وسط أصحابه، ويخالطهم، كان يُوَجّهم ويعلمهم، كان يتحمل الأذى معهم، ويجوع مع جوعهم ،أو أكثر، ويتعب مع تعبهم أو أشد، يهاجر كما يهاجرون، ويقاتل كما يقاتلون، ويحفر الخندق كما يحفرون، وكان صلى الله عليه وسلم يأكل مما يأكل منه الناس، ويشرب مما يشرب منه الناس، ويجلس على ما يجلس عليه الناس، لم تزده كثرة الأذى إلا صبرًا، ولم يزده إسراف الجاهلين إلا حلمًا، ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرها، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس عنه، وما انتقم لنفسه قط، إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله بها، وكان أكثر الناس كرمًا، وأقواهم بأسًا، وأشدهم حياء، وكان يمنع الناس من القيام له، وكان يعود المساكين، ويجالس الفقراء، وتسير به الأَمَة في شوارع المدينة أينما شاءت، وكان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، وكان فوق هذا متصلًا بالسماء، متصلًا برب العالمين، يأتيه الوحي صباحا ومساء، يخبر الناس بما يريده ربهم منهم، يعدل لهم المسار، ويقوم لهم المناهج، ويفسر لهم ما شكل عليهم، ويوضح لهم ما خفي عنهم، اعتاد الصحابة على وجوده، فكان لا يعتزل عنهم أبدًا، يرونه في كل صلاة، وفي كل لقاء، وفي كل جمع، يشهد الجنازة، ويعود المرضى، ويدعو لهم، ويزور الصحابة في بيوتهم، ويزورونه في بيته، وأحبه الصحابة حبًا لم يحبوه قط لأحد غيره، قدموه على حب الولد والوالد، وعلى حب الزوج والعشيرة، وعلى حب المال والديار، بل قدموه على حب النفس، حتى يتمنى الصحابي أن يموت، ولا يشاك رسول الله صلى الله عليه وسلم شوكة في قدمه، وما كان الصحابي يصبر على فراقه، فإذا عاد الصحابي إلى بيته أسرع بالعودة إلى المسجد حتى يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى بكى بعضهم؛ لأنه سيفارقونه يوم القيامة في الجنة لعلو منزلته، حتى بشرهم بأن المرء يحشر مع من أحب، عاش الصحابة في هذه السعادة التي لم تُعرف، ولن تُعرف في التاريخ، سعادة مصاحبته، ورؤيته، والسماع منه، والانصياع له صلى الله عليه وسلم، عاشوا على ذلك فترة من الزمن، حتى أذن الله عز وجل برحيل الحبيب صلى الله عليه وسلم عن دار الدنيا إلى دار الخلد، في جنات النعيم، إلى الرفيق الأعلى، إلى راحة، لا تعب فيها، ولا نصب، ولا وصب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بَشَر، والبشر يموتون
[إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ] {الزُّمر:30} .
فتنة موت النبي صلى الله عليه وسلم
مع يقين الصحابة بذلك، وثقتهم من بشريته صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم ما تخيلوا أن ذلك الموت سيحدث حقيقة، فتنة عظيمة، ومصيبة كبيرة، وبلاء مبين، ما صدق الصحابة رضوان الله عليهم إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات حقًا،
فكيف الحياة بدونه؟
وراء من يصلون؟
وإلى نُصح من ينصتون؟
من يعلمهم؟
من يربيهم؟
من يبتسم في وجوههم؟
من يرفق بهم؟
من يأخذ بأيديهم؟
كارثة وأي كارثة، وأظلمت المدينة، وأصاب الحزن والهم والكمد كل شيء فيها، كل شيء، ليس الصحابة فقط، بل نخيل المدينة، وديار المدينة، وطرق المدينة، ودواب المدينة، إذا كان جذع نخلة قد حن لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما فارقه؛ ليخطب من فوق المنبر بدلًا منه، حتى سمع الصحابة لجذع النخلة أنينًا، وما سكن حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده على الجذع حتى سكن، إذا كان الجذع فعل ذلك ورسول الله فارقه إلى منبر يبعد خطوات معدودات، فكيف بفراق لا رجعة فيه إلى يوم القيامة، والصحابة،
ماذا يفعلون؟
أتطيب نفوسهم أن يهيلوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ تقطعت قلوب الصحابة، وتمزقت نفوسهم، وتحطمت مشاعرهم، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه:
ما رأيت يومًا قطّ كان أحسن ولا أضوأ، من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت يومًا قطّ كان أقبح ولا أظلم، من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المصيبة أذهبت عقول الأشداء من الرجال، وأذهلت ألباب الحكماء منهم، تاهوا جميعًا حتى وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وما أدراك ما عمر بن الخطاب في عقله ورزانته وحكمته وإلهامه، وقف وقد أخرجته الكارثة عن وعيه يقول:
إن رجالًا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات.
يقول ذلك في يقين، هو لا يصدق فعلًا أنه مات.
يقول عمر: لكن ذهب إلى ربه، كما ذهب موسى بن عمران، فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات، ووالله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات. وإذا كان عمر كذلك، فكيف بغيره من الصحابة؟
قال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنَا وَجَلَّتْ عَشِيَّةَ قِيلَ قَدْ قُبِضَ الرَّسُولُ
وَأَضْحَتْ أَرْضُنَا مِمَّا عَرَاهَا تَكَادَ بِنَا جَوَانِبُهَا تَمِيلُ
فَقَدْنَا الْوَحَيَ وَالتَّنْزِيلَ فِينَا يَرُوحُ بِهِ وَيَغْدُو جِبْرَائِيلُ
وَذَاكَ أَحَقُّ مَا سَالَتْ عَلَيْهِ نُفُوسُ النَّاسِ أَوْ كَادَتْ تَسِيلُ
نَبِيٌّ كَانَ يَجْلُو الشَّكَ عَنَّا بِمَا يُوحَى إِلَيْهِ وَمَا يَقُولُ
وَيَهْدِينَا فَلَا نَخْشَى ضَلَالًا ; عَلَيْنَا وَالرَّسُولُ لَنَا دَلِيلُ
أَفَاطِمُ إِنْ جَزَعْتِ فَذَاكَ عُذْرٌ وَإِنْ لَمْ تَجْزَعِي ذَاكَ السَّبِيلُ
فَقَبْرُ أَبِيكِ سَيِّدُ كُلِّ قَبْرٍ ; ; وَفِيهِ سِيِّدُ النَّاسِ الرَّسُولُ
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه:
لما قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم أظلمت المدينة، حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبسط يده فلا يراها، وما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.
موقف الصديق رضي الله عنه
وبينما هم كذلك إذ جاء الصديق الجبل أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، وجزاه خيرًا كثيرًا عما قدمه لأمة الإسلام، جاء الصديق من السنح (منطقة خارج المدينة) بعد أن وصله النبأ هناك، وإن تخيل أحدنا أن صحابيًا سوف يموت حزنًا، وهمًا، وكمدًا لفراق الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا شك أننا جميعًا سنقول إنه الصديق رضي الله عنه، أشد الخلق حبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقرب الرجال إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا شك قد يخطر ببال الناظر للأحداث أن الصديق سيفعل أكثر مما فعل عمر بن الخطاب مثلًا، لكن سبحان الله، إنه الصديق أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه، أقبل أبو بكر على فرسه من مسكنه بالسنح، ونزل عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكلم الناس، ودخل المسجد، ومنه دخل إلى بيت عائشة حيث مات رسول الله صلى الله عليه وسلم على حجرها، فتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مغطى بثوب، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه، فقبله وبكى، عبرات لا بد منها، نزلت ساخنة حارة على وجنتي الصديق رضي الله عنه، حبيب عمره، ودرة قلبه، وقرة عينه، ثم قال الصديق وقلبه ينفطر:
بأبي أنت وأمي، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك، فقد متها.
ثم خرج في ثبات عجيب يليق بخير الأمة بعد نبيها، ويليق بأول من سيدخل الجنة من أمة المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف يجزع ويخرج عن المنهج، وهو الصديق؟ خرج الصديق رضي الله عنه، فوجد عمر في ثورته يتكلم مع الناس، والناس يلتفون حوله يتمنون أن لو كان كلامه حقًا، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيعود ثانية كما يقول، قال الصديق في ثبات ورباطة جأش عجيبة:
اجلس يا عمر.
لكن عمر قد أذهلته المصيبة عن السماع، فلم يجلس، وظل على حاله، لكن الناس وجدوا وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم الأول أبا بكر، فتركوا عمر والتفوا حول الصديق ينتظرون ما يقول، قال أبو بكر الصديق في فهم عميق وحكمة بالغة:
أما بعد، من كان منكم يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإن محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
وفي براعة ولباقة وتوفيق قرأ الآية الكريمة:
[وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ] {آل عمران:144} .
الصديق رجل عجيب يعيش مع القرآن في كل حركة، وفي كل سكنة، ما أروع الاختيار، وما أبلغ الأثر الذي أحدثته الآية الربانية في قلوب الصحابة، يقول ابن عباس رضي الله عنهما:
والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها الناس كلهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها.
أفاق الناس وبدءوا في البكاء الشديد، كانت الآية سلوى للمؤمنين، وتعزية للصابرين، وجزاء للشاكرين، ووصلت الآية إلى أسماع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول عمر رضي الله عنه:
والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فَعَقِرْت (عَقِرَ: إِذا بقي مكانه لا
يتقدم ولا يتأَخر فزعا أَو أَسَفا أَو خجلا) حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض، حين سمعته تلاها علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات.
إنا لله وإنا إليه راجعون، وثَبّت الله الأمة بثبات الصديق رضي الله عنه وأرضاه، واحدة من أعظم حسناته رضي الله عنه، وما أكثر حسناته.
ومع كون فتنة موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وفراقه إلى يوم القيامة فتنة عظيمة، ومصيبة هائلة، إلا أنها لم تكن الفتنة الوحيدة التي مرت بالمسلمين في هذه الأيام الحزينة، فإلى جوار فتنة الموت والفراق كانت هناك فتن أخرى عظيمة، كان منها:
| |
|
gomo ا لإ د ا ر ه
مشاركات : 438 نقاط : 849 تاريخ الميلاد : 23/07/1992 العمر : 32 الابراج : العمل/الترفيه : لاعب كمال اجسام المزاج : تمام اوى تاريخ التسجيل : 27/04/2009 الجنس :
| موضوع: رد: خلافة أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -, الخلافة الراشدة الأولى الخميس 15 أكتوبر 2009, 18:59 | |
|
فتنة انقطاع الوحي
فكما ذكرنا من قبل، كانت أم أيمن رضي الله عنها تبكي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تعلل ذلك بأنها تبكي؛ لأن الوحي انقطع من السماء، وانقطاع الوحي من السماء لا شك أنه فتنة عظيمة، وجبريل عليه السلام لن ينزل على بشر إلى يوم القيامة، فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء، لا شك أن البشر سيخطئون كثيرًا، ويحتاجون إلى تقويم وإصلاح، من يقوم بذلك؟ عليهم أن يقوموا بذلك بأنفسهم، المنهج الإسلامي الكامل المتكامل أعطى لهم هذه الصلاحيات لإكمال مسيرة الحياة إلى يوم القيامة بدون رسل، ولا أنبياء، ولا وحي، لكن لا شك أن الفترة التي أعقبت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تمثل عبئًا ثقيلًا على نفوس الصحابة، وقلقًا بالغًا من أن يفشلوا في حل أمورهم دون وحي، ولا شك أنهم سيختلفون كثيرًا، فمن يكون على صواب، ومن يكون على خطأ، عليهم أن يحكموا بالمنهج المتروك في أيديهم القرآن والسنة، لكن ستظل طوائف المؤمنين تخطئ، وهي تظن أنها على صواب، الوحي كان يفصل في هذه الأمور فصلًا لا يدع مكانًا للريبة، والآن انقطع الوحي، الرجل في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير على الأرض، ويعلم أنه من أهل الجنة، يوقن بذلك إذا بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم يقينه بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وتخيل معي كيف يطيق رجل صبرًا أن يسير على الأرض، وهو يعلم أنه من أهل الجنة، هذا الذي جعل عمير بن الحمام في غزوة بدر يلقي بالتمرات، لما بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ويقول:
لئن أحيا حتى آكل تمراتي إنها لحياة طويلة.
بلال، بشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فإذا به على فراش موته سعيدًا لأنه سيموت، يقول:
غدًا ألقي الأحبة، محمدًا وصحبه.
وهكذا أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وبقية العشرة، وهكذا عبد الله بن مسعود، وهكذا خديجة، وعائشة، وسائر أمهات المؤمنين، وهكذا مئات وآلاف بَشّرهم بالجنة، أما الآن بعد أن انقطع الوحي، فلا أحد يدري أهو من أهل الجنة أم من أهل النار؟
وعجبت لمن يضحك، كيف؟ وهو على يقين من ورود النار
[وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا] {مريم:71} .
ثم هو لا يعلم أيجوز الصراط إلى الجنة أم يسقط في النار؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخبرهم عن كثير من أمور الغيب بالوحي، يبشرهم بنصر بدر، يبشرهم بالفتح، يبشرهم بالشام، وفارس، واليمن، يخبرهم عما كان، وعما هو كائن، وعما سيكون إلى يوم القيامة، الآن بعد انقطاع الوحي أغلق باب المستقبل، لا تعرف منه إلا ما أنبأنا به الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت، لكن كم من الأمور ستحدث كنا نتمنى أن نعرف عاقبتها، أترانا سنفوز أم سنخسر؟
وأحداث العالم كيف ستئول في النهاية؟
الله أعلم، الفرس انتصرت على الروم، والرسول يبشر:
[غُلِبَتِ الرُّومُ(2)فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ(3)فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ] {الرُّوم:2، 3، 4} .
الآن لا نعرف على وجه اليقين، نعم ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منهاجًا واضحًا من قرآن وسنة، نستقرأ به سنن الله في الأرض، ونستنبط به النتائج قبل أن تحدث، لكن ستظل كثيرًا من الأمور معروفة على وجه الظن لا اليقين، ويقين الوحي لا عودة له حتى تنتهي حياة الأرض، وتقوم القيامة، فتنة كبيرة، لا شك أنها أذهلت الصحابة وسيبدأ طريق مليء بالأشواك، وعليهم أن يعتمدوا على أنفسهم في السير بعد فقد القائد العظيم، والدليل الأمين محمد صلى الله عليه وسلم. إذن كانت هناك فتنة فراق أحب الخلق إلى قلوب الصحابة، وكانت هناك أيضًا فتنة انقطاع الوحي.
مَن الخليفة بعده صلى الله عليه وسلم؟
مَنْ مِنَ الرجال يجلس في كرسي الحكم مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن نبيًا فقط، ولكن كان أيضًا حاكم المسلمين، فإن كانت النبوة قد ختمت به صلى الله عليه وسلم، فالحكم لا بد أن يستمر، مَن مِن الصحابة الكرام يكمل المسيرة ويحمل الراية؟
أمر خطير، وخطورته ليست في احتمال التكالب على السلطة، والتنازع فيها كما يحدث في بلدان العالم المختلفة إذا مات قائد أو زعيم، كلا، ولكن لاعتبارات خاصة جدًا بهذه الفترة:
أولًا: لا يوجد في الصحابة، ولا في أهل الأرض جميعًا من يساوي، أو يقترب في الفضل، والمكانة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي سيوضع في مكانه كحاكم لا بد وأنه سيقارن به صلى الله عليه وسلم، وستكون المقارنة ظالمة، ولا شك، فهذا رسول يوحى إليه من ربه وهذا رجل يجتهد قد يصيب، وقد يخطئ.
ثانيًا: مَن مِن الصحابة ستطيق نفسه أن يجلس في هذا المكان؟ الصحابة على خلاف أهل الأرض في ذلك الزمان، أو في أي زمان، كانوا لا ينظرون إلى الإمارة على أنها تشريف، وتعظيم، ولكن كانوا يعتبرونها تكليفًا وتبعة، ففضلًا عن أنهم لا تطيب أنفسهم بالحكم، بدلًا من نبيهم، فهم تعلموا منه صلى الله عليه وسلم أن يزهدوا في الإمارة ولا يطلبونها، روى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟
فضرب بيده على منكبي ثم قال:
يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةَ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا.
ترى َمن ِمن الصحابة يضمن أن يأخذها بحقها، ومن يُعرّض نفسه لحمل الأمانة، ومن يضع نفسه يوم القيامة موضع سؤال عن تبعات عظيمة، تبعات الإمامة.
ثالثًا: إذا كان ولا بد أن يختار رجل من الصحابة لهذا الأمر الجليل، من يكون هذا الرجل؟
الصحابة جميعًا أعلام يُقتدى بهم، طاقتهم عظيمة، وإمكانياتهم واسعة، والمؤهل ليكون حاكمًا على الناس، أو أميرًا عليهم كُثُر، إذا نظرت إلى المهاجرين مثلًا فهناك:
الصديق أبو بكر، وهناك الفاروق عمر، وهناك أمين الأمة أبو عبيدة، وهناك ذو النورين وزوج ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، وهناك ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته علي، وهناك العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك سعد بن أبي وقاص خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك طلحة بن عبيد الله طلحة الخير وهناك غيرهم كثير،
عبد الرحمن بن عوف، سعد بن زيد.
وهناك شيوخ مكة الذين أسلموا في الفتح، ولهم من الهيبة في قلوب العرب: أبو سفيان، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وغيرهم.
وإذا نظرت إلى الأنصار وجدت أيضًا فريقًا من العظماء كبير، وإن كانت الأسماء المطروحة للزعامة أقل من المهاجرين لكون الأنصار من قبيلتين فقط الأوس والخزرج، فزعيم الخزرج هو: سعد بن عبادة، ومن أقوى الأسماء المرشحة، أما من الأوس فهناك على سبيل المثال: أسيد بن حضير سيد الأوس، وهناك عباد بن بشر من أفضل الأنصار، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها ثلاثة من الأنصار لم يجاوزهم في الفضل أحد:
سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر.
وبالطبع سعد بن معاذ استشهد قبل ذلك بكثير، استشهد بعد أن أقر الله عينه من بني قريظة في سنة 5 من الهجرة، كل واحد من هذه الأسماء، سواء من المهاجرين، أو الأنصار لا تنقصه الكفاءة، ولا القدرة على القيادة، كذلك لا ينقص أحدهم التقوى، فمن يحمل الراية؟
الأعداد الضخمة التي دخلت في الإسلام حديثا
لم تكن هذه هي الفتن الوحيدة في هذه الفترة، بل كان هناك فتن أخرى عظيمة وخطيرة، الأعداد المهولة التي دخلت في الإسلام حديثًا، ولم تتلق تربية كافية في محضن الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن كثيرًا منهم دخل الإسلام طمعًا في المال، والثراء، طائفة المؤلفة قلوبهم، تألف رسول الله صلى الله عليه وسلم قلوبهم بالمال والغنائم حتى يدخلوا في الإسلام، ولنراجع بعض الأرقام:
فتح مكة سنة 8 من الهجرة، فَتح مكة عشرة آلاف مؤمن بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعدها بقليل كانت حنين، والطائف، وكانت الغنائم وفيرة جدًا، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رءوس القوم، وأعطى عوام الناس، وأعطى، وأعطى، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا، ذكر ذلك ربنا عز وجل في كتابه الكريم:
[إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ(1)وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا] {النَّصر:1، 2}.
بعد فتح مكة بحوالي سنة غزوة تبوك سنة9 من الهجرة ثلاثون ألف مسلم، تضاعف الرقم من سنة 8 إلى9 هجرية ثلاث مرات، وهو تضاعف كبير في هذه الفترة الوجيزة، أعجب من ذلك حجة الوداع سنة10 من الهجرة بعد سنة من تبوك، حدث تضاعف مهول في عدد المسلمين، حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة ألف مسلم، هذا غير عشرات الآلاف من الذين دخلوا الإسلام في قبائلهم البعيدة عن المدينة، ولم يسعدوا برؤية الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه الآلاف المؤلفة من المسلمين الذين ارتبطوا بالإسلام فقط، منذ شهور، ولم يسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الكلمات القليلات، وبعضهم لم يره أصلًا، وبعضهم دخل لأجل المال، وبعضهم دخل لأجل الخوف من القوة الإسلامية الناشئة، وكلهم حديث عهد بجاهلية وإشراك، هذه العوامل جميعًا، وغيرها جعلتهم على خطر عظيم، وبخاصة إذا وصل إليهم نبأ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ترى ماذا سيكون رد فعلهم؟
أتراهم يتشككون في أمر الرسالة؟
أتراهم يعتقدون أن الخروج عن جماعة المسلمين أصبح أمرًا ميسورًا؟
أتراهم يرتدون على أعقابهم ويعودون إلى جاهليتهم وشركهم؟
كل هذه الاحتمالات واردة، ولا شك الصحابة في المدينة، كانوا يفكرون في هؤلاء القوم، ويتسمعون أخبارهم، ويخافون من ردتهم على الإسلام، هذه المشاعر المتزاحمة من قلق، وخوف، وتربص، وحيرة زادت الأزمة في المدينة تفجرًا واضطرابًا، ولا شك أن هذا زاد من ظلمة المدينة بعد غياب النور المبين محمد صلى الله عليه وسلم.
مُدّعو النبوة والمرتدون
فتنة مظلمة أخرى تحيط بالصحابة، الرِّدة الفعلية لبني حنيفة، ولأهل اليمن، جاءت الأنباء قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهور من يَدّعي النبوة في هذه البلاد، ظهر مسليمة الكذاب في بني حنيفة، في اليمامة شرق الجزيرة، وظهر في اليمن الأسود العنسي، وتبع هذا وذاك آلاف مؤلّفة؛ قبلية وعصبية، وجهل، وشك، وكِبر، وسفه، تبع مسليمة ما يزيد على الأربعين ألفًا.
هؤلاء مرتدون بالفعل، ومن المؤكد أنهم يتربصون بالمدينة الدوائر، ومن أدرى الصحابة أنهم يعدون العدة لغزو المدينة، ولاستئصال الإسلام من جذوره، هذا خطر داهم، لا شك أن الصحابة كانوا يترقبونه.
المنافقون
أضف إلى هذا كثرة المنافقين بالمدينة المنورة، نذكر أنه منذ أقل من عامين كانت هناك أعداد ضخمة من المنافقين يسكنون المدينة أيام تبوك، ولا شك أنهم يتزايدون مع زيادة قوة الإسلام، ولا شك أيضًا أن ينتظرون الفرصة للانقلاب على الإسلام والمسلمين، وقد أرادوا قتل الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ذلك ولكن فشلوا، وها هو الرسول صلى الله عيه وسلم قد مات، وهذه مصيبة ضخمة، ولا شك أن سعادتهم بهذه المصيبة كبيرة
[إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ] {التوبة:50} .
ترى ماذا سيفعل المنافقون؟
سؤال يتردد في أذهان الصحابة، ولا شك.
الفرس والروم
ثم هل هذا هو كل الشر الذي يتربص بالمدينة؟
أبدًا، كم من الأعداء يتربص وكم من الكارهين يرقب، الفرس دولة عظمى مجاورة، وقد كان بين الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين ملكها كسرى مراسلات يعرض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الإسلام، لكن أبى كسرى فارس، بل مزق رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضم إلى دولة المسلمين قبل أن يموت منطقة اليمن، وكانت تتبع دولة فارس، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل في الإسلام حكام اليمن الفارسيين، وأفسد على كسرى فارس هذه المنطقة وأهلها، ترى ماذا سيفعل كسرى فارس بعد هذه المصيبة التي حلت على المسلمين؟
أتراه يعيد الكرة في احتلال اليمن، أم يفكر فيما هو أبعد من ذلك ويغزو المدينة ومكة؟
أسئلة بلا إجابة.
الروم الدولة العظمى الأخرى على الساحة العالمية في ذلك الزمان، تحتل كامل الشام وآسيا الصغرى، بالإضافة إلى شرق أوروبا بأكمله، دولة ضخمة مهولة، على رأسها قيصر الروم هرقل، دولة الروم العظمى لها تاريخ مع دولة الإسلام الناشئة في المدينة، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة إلى هرقل يدعوه للإسلام، وهرقل قد مال قلبه للإسلام، لكن منعه قومه، ودفعوه إلى الكفر برسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس هذا فقط، بل دفعوه أيضًا إلى تحريض قبائل غسان العربية في الشام على المسلمين، ومن ثم قُتل بعض رسل الإسلام المبعوثين إلى تلك المناطق، وغرق بذلك هرقل في مستنقع الكفر، وهكذا بطانة السوء، ومن رضي ببطانة السوء، المهم أنه نتيجة هذا الإعراض عن الرسالة، وهذا التحرش بالمسلمين، نتجت موقعتان بين المسلمين والروم، نتجت سرية مؤتة في سنة 8 من الهجرة، وهذه كانت سرية عجيبة ثبت فيها المسلمون بثلاثة آلاف مقاتل أمام مائتي ألف من الروم المقاتلين، وقتل من المسلمين زعماؤهم الثلاثة، ثم استطاع خالد بن الوليد رضي الله عنه بتكتيك رائع أن ينسحب بجيشه دون هزيمة من الروم، بل عند التحليل الصادق للمعركة يثبت فرار الروم، وخشيتهم من الجيش الإسلامي، وما حدث من فرار لبعض المسلمين حتى وصلوا إلى المدينة في فرارهم لم يكن إلا طائفة محدودة، لكن بصرف النظر عن كل شيء، فقد تراءى للروم ثبات المسلمين، وخطورتهم، وعلموا أن بأسهم شديد، وقتالهم شرس، ومرت سنة واحدة على مؤتة وجاء ما هو أعظم، حشد المسلمون ثلاثين ألفًا من المقاتلين الأشداء في غزوة تبوك العظيمة سنة 9 من الهجرة، ومع قلة إمكانيات المسلمين المادية من سلاح ومئونة، إلا أن معنويات الجيش كانت مرتفعة جدًا، وتحركت الجموع الإسلامية إلى مسافات بعيدة جدًا عن المدينة دون وجل ولا خوف، وفر الجيش الروماني، وأعوانه من نصارى الشام العرب من أمام الجيش الإسلامي، ولا شك أن الرومان سمعوا بأنباء بعث أسامة بن زيد رضي الله عنهما، والذي جهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بقليل حتى يغزو الشام، ويقاتل الروم، والقبائل المناصرة لها، ولا شك أنهم يعلمون أن الجيش الإسلامي ما زال رابضًا في المدينة بعد خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا سيكون رد فعل الرومان، والقبائل المتحالفة معهم أمام هذا الحدث، أتراهم يستغلون الفرصة، ويهاجمون المدينة حيث أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم؟
هل يستغلون انشغال المسلمين بالمصيبة الكبيرة، ويحالفون عددًا أكبر من القبائل، ويحاصرون الجيش الإسلامي في المدينة قبل خروجه؟
أم تراهم سينقلبون على القبائل المسلمة في شمال الجزيرة العربية؟
لا شك أن الروم سيتربصون بالمسلمين، وجذور العلاقة توحي بأن ذلك سيكون قريبًا، كيف يتعامل المسلمون مع هذا التوقع؟
سؤال يحتاج إلى إجابة.
اليهود
ماذا سيكون رد فعلهم بعد أن يعلموا بهذا الخبر الهام، وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، جذور العداء تاريخية مع اليهود، ومن أول يوم سمعوا فيه بأمر الرسالة، وهم يكيدون لها، وحاولوا من قبل قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلوبهم تغلي بالحقد على المسلمين، وكراهيتهم للإسلام والمسلمين ثابتة في كتاب الله، وستظل الكراهية موجودة بين الفريقين إلى يوم القيامة [لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا] {المائدة:82}.
اليهود منذ عشر سنوات كانوا من أعظم تجار الجزيرة العربية، كانوا يتاجرون في كل البضائع، وبالذات في السلاح والخمور والربا، وكان لهم سطوة وبأس، وكانت لهم حصون وقلاع، وكانت لهم قبائل وأعوان، وكانت لهم مكانة علمية ودينية؛ لكونهم من أهل الكتاب، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فسحب البساط من تحت أرجلهم، وانتقلت الزعامة الدينية في الأرض إلى المسلمين، ليس هذا فقط، بل دارت حروب ومعارك لا تنسى بينهم وبين المسلمين، كانت الغلبة فيها كلها للمسلمين، في بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، وخيبر، وتشتت قوة اليهود، وتفرقت وتحطمت، وها هي السيدة صفية بنت حيي تصبح الآن زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمًا للمؤمنين وهي التي كانت بنت زعيم اليهود حيي بن أخطب، ها هي الأحقاد تتزايد على المسلمين، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا سيفعل اليهود الآن؟
لقد تم قتل يهود بني قريظة من قَبل، وأجلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قينقاع وبني النضير من المدينة، لكن ما زال هناك يهود خيبر، وهم ليسوا بالقليلين في حصنهم شمال المدينة، أتراهم يدبرون مؤامرة لحرب المسلمين وينقضون عهدهم المبرم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هذا أمر وارد جدًا، اشتهر اليهود على مدار تاريخهم منذ أيام أنبيائهم الكرام، ومرورًا بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إلى عهدنا الآن، وإلى يوم القيامة، اشتهروا بنقض العهود، وبالتعامل بالخيانة، والدس، والكيد، والتآمر، اشتهروا في وقت ضعفهم بالذل، والمسكنة، والخنوع، والنفاق، واشتهروا في وقت قوتهم بالإفساد في الأرض، والتدمير والتخريب، إذن فساد اليهود متوقع وخيانتهم قريبة لكن كيف ستكون؟
سؤال لا شك أنه كان يجول في خاطر الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ما أصعب الموقف بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أعقده وما أحزنه.
تعالوا نقف وقفة نلتقط فيها الأنفاس، ونعيد ترتيب الأوراق، ونفكر مع الصحابة، مجموعة من الفتن الخطيرة تناوش المدينة فجأة:
أولًا: مات أحب الخلق إلى قلوب الصحابة، وفراقه مصيبة.
ثانيًا: انقطع الوحي بالكلية إلى يوم القيامة.
ثالثاُ: ليس هناك من يقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفضل حتى يستبدله الناس به.
رابعًا: الأسماء المطروحة لخلافة الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة وكلها عظيمة.
خامسًا: أعداد كبيرة جدًا، ما دخلت الإسلام إلا منذ سنوات، أو شهور قليلة، وكثير منهم من المؤلّفة قلوبهم ضعيفي الإيمان.
سادسًا: الردة الخطيرة الموجودة في بني حنيفة واليمن.
سابعًا: كثرة المنافقين بالمدينة وتربصهم الدوائر بالمسلمين.
ثامنًا: دولة الفرس المعادية تلتصق حدودها بالدولة الإسلامية من جهة الشرق وقد تغزوها.
تاسعًا: دولة الروم المعادية أيضًا تلتصق حدودها بالدولة الإسلامية من جهة الشمال، وجذور العلاقة توحي بلقاء حربي قريب.
عاشرًا: اليهود في خيبر تغلي قلوبهم كالمرجل وخيانتهم وشيكة.
إذن هذه فتنة ضخمة، الواحدة منها قد تعصف بأمة، بنو إسرائيل لما ظنوا مجرد الظن أن موسى عليه السلام قد مات، وذلك عندما ذهب لميقات ربه أربعين ليلة ماذا فعلوا؟
عبدوا العجل، وفي وجود هارون النبي عليه السلام، لكنه لم يكن في قوة موسى، فتمردوا عليه، وتعامل هو بالحكمة معهم، حتى يرجع موسى عليه السلام، هذا في أربعين ليلة فقط، وليس عندهم يقين في موته، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم ميت بين أظهرهم، والكل يعلم أنه مات، كم من الرجال سيقلدون بني إسرائيل في فعلتهم الشنيعة؟
أمر خطير:
في هذا الموقف المعقد المتشابك والمدينة المنورة كالسفينة الصغيرة، في بحر هائج تتلاطمها الأمواج العاتية، وقد مات قبطانها في الموقف الرهيب الفريد، أين النجاة؟
بتحليل الموقف نجد أنه لا نجاة إلا باختيار سريع، وسريع جدًا، لخليفة يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم الدولة الإسلامية، فقدان الخلافة أو ضياع الخلافة كارثة مهولة، الخلافة والخليفة كالخيط ينتظم حبات العقد في عقد واحد جميل، بغير هذا الخيط ستضيع الحبات لا محالة، لا يشفع للحبات هنا كونها جميلة أو براقة، كذلك أمة الإسلام، إذا غاب منصب الخلافة فلن يجتمع المسلمون، ولو كانوا صالحين، فرقة هنا، وفرقة هناك، قبيلة هنا، وقبيلة هناك، دولة هنا، ودولة هناك، وستظل الفرقة في غياب الخلافة، وهذه هي مصيبتنا العظيمة في زماننا الآن، غابت الخلافة، وآخرها كانت الخلافة العثمانية، فتفرق المسلمون، حتى وإن كانت الخلافة ضعيفة، فهي واجبة فالاجتماع على ضعف خير من التفرق على قوة، وهذا أمر عام في كل حياة المسلمين، إذا اجتمعوا على رجل كانت البركة والقوة، وإذا تفرقوا كان الفشل والضعف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يلفت النظر إلى ذلك حتى في أدق الأمور، روى أبو داود بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري، وعن أبي هريرة رضي الله عنهما قالا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إِذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ.
والصحابة الكرام أفضل أهل الأرض بعد الأنبياء، وخير القرون في هذه الأمة، يفقهون هذه الحقائق بوضوح، ويعلمون مدى الخطورة المنتظرة لأي تأخير في اختيار هذا الخليفة مهما كان اسمه، لذلك قام الصحابة الكرام بمشروع أحسبه من أرقى، وأجَلّ المشاريع الحضارية في التاريخ، مشروع اختيار الخليفة، والقائد، والربان للسفينة، مع كل الأحزان والهموم، والآلام، لا بد أن تسير الحياة، ولا تتوقف لموت بشر أو زعيم، وإن كان رسول الله صلىاللهعليه وسلم.
| |
|
gomo ا لإ د ا ر ه
مشاركات : 438 نقاط : 849 تاريخ الميلاد : 23/07/1992 العمر : 32 الابراج : العمل/الترفيه : لاعب كمال اجسام المزاج : تمام اوى تاريخ التسجيل : 27/04/2009 الجنس :
| موضوع: رد: خلافة أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -, الخلافة الراشدة الأولى الخميس 15 أكتوبر 2009, 19:01 | |
| يوم السقيفة
مقدمة
في الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة، اجتمع الأنصار أوسهم وخزرجهم لاختيار خليفة للمسلمين من بينهم، اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، وهي الدار التي اعتادوا أن يعقدوا فيها اجتماعاتهم المهمة، رأى الأنصار أن الخليفة لا بد أن يكون منهم؛ لاعتبارات كثيرة، ولذلك سارعوا إلى هذا الاجتماع الطارئ.
هذا الموقف لا بد وأنه سيثير أسئلة كثيرة في الذهن، وقد تُسأل هذه الأسئلة بحسن نية؛ وذلك للمعرفة والفقه والاستفادة، وقد تسأل بسوء نية؛ للطعن والكيد، والنيل من الصحاب ومن دولة الإسلام، يبرز من هذه الأسئلة سؤالان هامان ركز المستشرقون، وأتباعهم من العلمانيين سواء من أبناء الغرب، أو الشرق، أو من أبناء المسلمين عليهما، سؤالان الغرض منهما الطعن في الأنصار، وسيتبع السؤالان لا محالة أسئلة أخرى للطعن في المهاجرين، وبقية الصحابة:
السؤال الأول:
كيف تحرك الأنصار لاختيار خليفة في نفس يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
أليس في قلوبهم حزن على نبيهم؟
يقول المستشرقون: إن الأنصار أرادوا الدني ورغبوا فيه وحرصوا عليها، فتسارعوا إليها، ولم يردعهم المصاب الفادح الذي ألم بهم، هذا السؤال يتردد أيضًا في أذهان بعض المؤمنين للاستفسار، وللرد على شبهات الطاعنين.
وللرد على هذه الشبهة نقول:
أولًا: المستشرقون لا يدركون هذه الخلفية التي ذكرناها عن طبيعة الأنصار، أو لعلهم يدركونها، ويتجاهلونها عن قصد وعمد، رسول الله صلى الله عليه وسلم نَزَّههم عن طلب الدنيا، بل نزههم عن ذلك ربهم، بقرآن باق إلى يوم القيامة، فإذا تغير منهم رجل، أو رجلان فمن المستحيل أن يتغيروا جميعًا، ويجتمعوا على حب الدنيا.
ثانيًا: المستشرقون لا يفقهون معنى الصبر الجميل [فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا] {المعارج:5} .
الصبر الذي لا شكوى فيه، الصبر عند الصدمة الأولى...
روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرِي.
فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي. ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم.
فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك.
فقال: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى.
لقد كان صبر الأنصار رضي الله عنهم صبرًا جميلًا، صبرًا عند الصدمة الأولى، وكما قال ربنا: [إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ] {الزُّمر:10} .
هذا ما يفهم في ضوء سيرتهم رضي الله عنهم وأرضاهم.
ثالثًا: هل يمنع هذا الصبر من كون قلوبهم تنفطر حزنًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هل هناك تعارض بين الحزن وبين العمل الصالح؟
أبدًا، المسلم الإيجابي مهما حزن، فإن ذلك لا يقعده عن العمل الواجب، الحزن الذي يقعد الناس عن العمل حزن مرضي غير مرغوب فيه، وإذا فكرنا في الموقف قليلًا، ترى لو انتظر الأنصار يومًا أو يومين، أو أسبوعًا أو أسبوعين، حتى تهدأ عواطف الحزن، وتعود الحياة إلى طبيعتها، ماذا ستكون النتيجة؟
ماذا لو هجم الفرس أو الروم على بلاد المسلمين؟
من يأخذ قرار الحرب من عدمه؟
من يجهز الجيوش ويعد العدة ويستنفر الناس؟
ماذا يحدث لو هجم المرتدون على المدينة؟
وقبائل عبس وذبيان على بعد أميال من المدينة، وإسلامهم حديث، وردتهم متوقعة، وماذا يحدث لو هجم مسليمة الكذاب بجحافله المرتدة على المدينة؟ من يأخذ قرار الحرب ضدهم؟
ماذا لو نقض اليهود عهدهم؟
أيحاربون أم يوادعون؟
أتكون لهم شروط جديدة ويكون لهم عهد جديد؟
ثم ماذا يحدث لو أخرج المنافقون في المدينة رجلًا منهم وبايعوه على الخلافة، وبايعته قبيلته وقبائل أخرى؟
ماذا يكون رد فعل الصحابة؟
أينكرون بيعته ويحاربون وتحدث الفتنة العظمى والبلية الكبرى؟
أم يتركون منافقًا يترأسهم؟
ماذا لو اختارت كل قبيلة من القبائل المختلفة، التي تكون دولة الإسلام الآن زعيمًا لها من أبنائها وتفرق المسلمون أحزابًا وشيعًا؟
من يجمع ومن يوحد؟
بالتفكير السليم والمنطقي والموضوعي، نجد أن إسراع الأنصار إلى اختيار الخليفة برغم المصيبة الكبيرة لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، هو فضيلة تحسب للأنصار، وليس نقصًا أو عيبًا، لقد وصلوا في إيجابيتهم إلى درجة من الصعب أن تتكرر في غيرهم من الأجيال.
السؤال الثاني:
لماذا أراد الأنصار الاستئثار بالخلافة دون المهاجرين، وأسرعوا إلى سقيفة بني ساعدة لترشيح رجل منهم؟
أولًا: حتى نفهم موقف الأنصار، لا بد أن نسمي الأشياء بمصطلحات العصر الحديثة، حتى ندرك أبعاد الموقف بأكمله، الأنصار في مصطلح العصر الحديث هم أهل البلد الأصليون، كانت المدينة، وكأنها دولة مستقلة، يعيش فيها الأوس والخزرج، وذلك قبل قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم، والمهاجرين إليها، ثم اضطهد المهاجرون في بلدهم مكة، دولة مستقلة أخرى بجوار المدينة المنورة، وضُيق على المهاجرين الخناق، فاضطروا إلى ترك البلد، واللجوء إلى المدينة المنورة، أي أن التعريف الحديث للمهاجرين هو مجموعة من اللاجئين السياسين في المدينة المنورة، وكدولة كريمة سخية عادلة استقبلت المدينة اللاجئين، أو المهاجرين خير استقبال، وأكرمتهم، وأعطت لهم، ومنحتهم كل حقوق المواطن الأصلي في البلد، ومرت الأيام ولم تفرض أبدًا عليهم قيودًا تعوق من حياتهم، بل على العكس كثيرًا ما آثرتهم على أهل البلد الأصليين، ثم مرت أيام أخرى، ومات قائد المدينة المنورة وزعيمها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وحان وقت تولية زعيم جديد على المدينة، أمن المنطق البسيط أن يكون زعيم الدولة من أهلها الأصليين، أم من اللاجئين إليها؟
أمن المنطق البسيط أن يكون زعيم الدولة من الذين قَدّموا لأجل من قَدِم إليهم أم يُقَدّم الذي جاء طريدًا من بلده فاستقبل في بلد آخر؟
لو هاجر مجموعة من الفلسطينيين مثلًا إلى أمريكا، أو إنجلترا، أو حتى إلى بلد إسلامي مجاور، أيجوز في عرف هذه البلاد أنه إذا مات رئيسها أن يُختار الرئيس الجديد من بين اللاجئين السياسيين إلى هذه البلد؟
هذا في عرف كل من فكر في القضية تفكيرًا عقلانيًا بحتًا لا يصح، ما لم يغيره قانون معين موضوع قبل ذلك، وليس هناك- فيما أعلم- بلد في العالم وضع مثل هذا القانون الذي يجيز للاجئين الصعود إلى كرسي الحكم في البلد المضيف.
هذا ما جال في ذهن الأنصار عقب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، هم أصحاب البلد، وأكثريتها، وملاكها، أرض آبائهم وأجدادهم، فلماذا يوضع على الكرسي من هو من خارج البلد؟
إذن هذه نقطة.
ثانيًا: أليس أهل المدينة أدرى بشعابها ودروبها وإدارتها، واضح أن المدينة هي دار الإسلام الرئيسية، ومكة، والطائف، وغيرها ما هي إلا مدن تابعة، أليس من المنطقي الذي يخطر على بال الأنصار أنه من المصلحة أن يقود هذه الدولة من هو أعلم بوضعها وبسكانها وبالقبائل المحيطة بها، وبتاريخها، وجذورها، أليس من باب المصلحة أن يكون قائد دولة المدينة من أهل المدينة؟
هذا ولا شك خطر على بال الأنصار؛ فتجمعوا لاختيار الخليفة من بينهم.
ثالثًا: أكان من الممكن للمهاجرين أن يقيموا دوله بغير الأنصار؟ المهاجرون قضوا ثلاث عشرة سنة كاملة في مكة، ولم يفلحوا هناك في تحويلها لبلد إسلامي، فكان لا بد من الهجرة لحين الوصول إلى القوة الكافية للعودة مرة أخرى إلى مكة، سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلاد شتى لكي يئووه، وينصروه، فإن قريشًا قد ظاهرت على أمر الله، ذهب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، فأبوا عليه وطردوه، ورجموه بالحجارة، خاطب معظم قبائل العرب في مواسم الحج، فردوه جميعًا، خاطب بني حنيفة، وبني كندة، وبني شيبان، وبني عامر بن لؤي، وبني كلب، وغيرهم، وغيرهم، فرده جميعًا إلا طائفة صغيرة من الخزرج، ثم عادوا إلى قومهم وجاءوا بغيرهم، ثم بعدها دخلوا في الدين أفواجًا، وعرضوا استقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهاجرين في بلادهم، وبايعوا رسول الله صلى اله عليه وسلم على بذل النفس، والمال، والجهد، والوقت، والرأي، وكل شيء، وهاجر فعلًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمون من أهل مكة إلى البلد الجديد المدينة، فقامت دولة الإسلام، ولا شك أنه لو لم يكن الأنصار ما قامت الدولة في ذلك الوقت، إلا عندما يظهر فريق آخر يقبل ما قبل به الأنصار رضي الله عنهم، لذلك كان من الطبيعي للأنصار أن يشعروا أنه من المنطقي أن يكون الرئيس الجديد من بينهم.
رابعًا: ( نقطة هامة جدًا) الأنصار يشعرون أن المهاجرين سيعودون إلى بلدهم الأصلي مكة بعد وفاة رسول صلى الله عليه وسلم، مكة البلد الحرام، مكة التي تركوا فيها ديارهم، وأرضهم، وأموالهم التي صادرها المشركون، الآن أسلم المشركون، ومن حقهم العودة إلى بلادهم؛ لأخذ ما صودر منهم هناك، ومن حقهم أن يعيشوا في البلد الحرام حيث الصلاة بمائة ألف صلاة، ومن حقهم أن يعودوا للذكريات الأولى، والعائلات الأصلية في مكة وما حولها، والأنصار شكوا في هذا الأمر من قبل، في غزوة حنين كما ذكرنا منذ قليل فإنهم قالوا :
لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم والله قومه.
فكانوا يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سينتقل إلى مكة بعد فتحها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل، فما الذي يمنع المهاجرون أن يرجعوا إلى بلدهم وقد آمنت؟
فإذا كان رجوع المهاجرين وشيكًا، أليس من المنطقي لاستقرار الدولة الإسلامية أن يكون قائدها من أهل العاصمة بعد أن تخلو من مهاجريها، فإن قيل إنه في هذه الحالة قد تنتقل العاصمة إلى مكة، فإنه يرد على ذلك بأنه ليس من الحكمة أن تنقل العاصمة إلى هذا البلد المتقلب، أهل مكة دخلوا الإسلام منذ أقل من 3 أعوام فقط رغمًا عن أنوفهم، صرح بذلك من صرح وأخفى ذلك من أخفى، وهم حديثو عهد بجاهلية وشرك، وليس لهم فقه وعلم أهل المدينة، وردتهم عن الدين الجديد واردة، بل فعلًا بعد وفاة رسول الله صلى الله عيه وسلم كانوا على شفا حفرة لولا أن ثبتهم على الإسلام بسهيل بن عمرو رضي الله عنه وأرضاه، إذن ليس من الحكمة السياسية أن تنتقل الزعامة إلى مكة، فإذا كانت ستبقى في المدينة، والمدينة سيتركها المهاجرون فمن سيحكم؟
سؤال لا بد أن الأنصار فكروا فيه، والإجابة بسيطة وسهلة: لا بد أن يكون من الأنصار.
خامسًا: الأنصار يشعرون أن العرب ستستهدفهم بالقتال بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالحقد يملأ قلوب العرب على الأنصار؛ لأنهم هم الذين نصروا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهم الذين قاتلوا هنا وهناك في بقاع مختلفة من الجزيرة، وليس لهم الشرف الذي كان في قريش، وحتى قريش ذاتها ستحاربهم بعد ذلك، فإن لم يكن لهم قوة الحكم والسلطان فقد يُسْتأصلوا إذا تحزبت ضدهم قبائل العرب، وسيظهر هذا الإحساس في كلامهم كما سنرى في سقيفة بني ساعدة.
لهذه الأسباب مجتمعة، ومن المحتمل لغيرها مما لا نعلمه، اعتقد الأنصار أنه من المنطقي أن يكون الخليفة من بينهم، وليس من المهاجرين، ليس تقليلًا لشأن المهاجرين في نظرهم، ولا إهمالًا لهم، ولكن لاعتقادهم أن هذا حق لا ينازعهم فيه أحد.
ومع كل ما سبق، فلعله كان من الألطف أن يخبروا إخوانهم المهاجرين بما يعتزمون فعله، وإطلاعهم على مسببات اختيار الخليفة من بينهم، وذلك حسمًا لأي شك أو حزن يدخل في قلوب المهاجرين، وإن كان الأنصار أيضًا يعذرون بأمور:
أولًا: لعلهم ظنوا أن المهاجرين لن يفكروا أصلًا في الخلافة؛ لكونها في اعتقادهم من حقهم الكامل.
ثانيًا: لعلهم أرادوا غلق باب الفتنة، ومنع الجدال بالحسم في هذا الأمر.
ثالثًا: لعلهم رأوا أن المهاجرين مشغولون بتغسيل وتكفين ودفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يريدوا أن يشغلوهم بهذا الأمر الذي لهم كما يعتقدون.
المهم أن الأنصار ذهبوا بالفعل أوسهم وخزرجهم إلى سقيفة بني ساعدة لتجري عملية انتخاب الخليفة، وامتلأت السقيفة بوجوه الأنصار من القبليتين الكبيرتين
| |
|
gomo ا لإ د ا ر ه
مشاركات : 438 نقاط : 849 تاريخ الميلاد : 23/07/1992 العمر : 32 الابراج : العمل/الترفيه : لاعب كمال اجسام المزاج : تمام اوى تاريخ التسجيل : 27/04/2009 الجنس :
| موضوع: رد: خلافة أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -, الخلافة الراشدة الأولى الخميس 15 أكتوبر 2009, 19:07 | |
| أين المهاجرون من هذه الأحداث؟
فعلًا كان المهاجرون منشغلين بالمصاب الفادح، في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله، وكانت أمامهم قضايا الغسل، والتكفين، ثم الدفن، وكانوا مختلفين في قضية الدفن،
أين يدفن صلى الله عليه وسلم؟
أفي البقيع؟
أم مع الشهداء أحد؟
أم في مكة بلده؟
أم في مكان خاص به؟
حتى جاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأخبرهم بأنه يجب أن يدفن حيث مات كما أخبره بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل.
لكن هل كان اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة بهذا العدد الكبير يخفى على المهاجرين؟
لا بالطبع، رأى أحد الرجال وهو من المهاجرين هذا الجمع من الأنصار في السقيفة، فأسرع إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بداخله آنذاك أبو بكر، وعمر، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، نادى الرجل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال:
اخرج إليَّ يا ابن الخطاب.
قال عمر رضي الله عنه:
إليك عني فإنا عنك مشاغيل.
لكن الرجل أصر على عمر، فخرج له، فقال الرجل:
إنه قد حدث أمر لا بد منك فيه، إن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمرا.
هنا أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطورة الموقف، فأسرع إلى الصديق أبي بكر، وأخبره بالأمر وقال له:
انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار.
فانطلق هو وأبو بكر رضي الله عنهما.
وهنا تتضح حكمة هذين الرجلين فعلًا، فلولا الإسراع الآن لتأزم الموقف جدًا، فلو أحدث الأنصار بيعة لا يرضى عنها المهاجرون، فإما أن يبايعوا على ما لا يرضون، وإما أن يرفضوا البيعة، وفي هذا فساد، فلا بد أن يسرعوا قبل أن يكتمل الأمر، ويتفرق الأنصار من سقيفة بني ساعدة، أسرع الصديق وعمر رضي الله عنهما إلى السقيفة، وفي الطريق لقيا رجلين صالحيْن من الأنصار القدامى، ممن شهدوا بيعة العقبة الثانية، وشهدوا كل معارك رسول الله صلى الله عليه وسلم عوين بن ساعدة رضي الله عنه، ومعن بن عدي رضي الله عنه، فلما رأيا أن الصديق وعمر ذاهبان إلى السقيفة نصحوهما بألا يقربا السقيفة، وليقضوا أمرهم- أي المهاجرين- فيما بينهم، ويبدو أنهما خشيا من حدوث فتنة بين المهاجرين والأنصار فأرادا أن يصرفاهما، لكن الصديق وعمر رضي الله عنهما أصرا على الذهاب إلى السقيفة، ثم في الطريق إلى هناك لقيا أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وهو رجل من أعاظم المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين، فأخذاه معهما إلى سقيفة بني ساعدة، ومن الواضح أن المهاجرين لا يضمرون في أنفسهم شرًا، ولا يعدون تدبيرًا ولا مكيدة، كما اتهمهم كثير من المستشرقين والشيعة، وإلا كيف يذهبون ثلاثة فقط، ولا يجمعون المهاجرين لأجل هذا الحدث الهام؟
وفي هذه الأثناء، وقبل وصول المهاجرين إلى السقيفة، كان الأنصار قد خطوا خطوات هامة في عملية اختيار الخليفة، لقد اجتمع الأنصار أوسهم وخزرجهم على اختيار الصحابي الجليل سعد بن عبادة رضي الله عنه زعيمًا للمسلمين، وخليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، سعد بن عبادة هو زعيم الخزرج، ومع ذلك أيده كل الأوس، وهذه ولا شك فضيلة إيمانية عالية، فلو نذكر منذ سنوات معدودات، وقبل قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كانت الحروب على أشدها بين الأوس والخزرج وآخرها يوم بعاث، والذي حدثت فيه مقتلة عظيمة بين الطرفين، أمم الآن فقد تغيرت نفوس الأنصار، وتركت حظ نفسها، وما عادت تفكر إلا في مصلحة هذا الدين، ولم يجد الأوس حرجًا في أن يقدموا زعيم الخزرج للخلافة، ووقفوا جميعًا وراءه ولم يطرحوا اسمًا أوسيًا بديلًا، بل قبلوا به دونما أدنى جدل، إذن الرجل المرشح الأول للخلافة هو: سعد بن عبادة، في نظر الأنصار، وسعد بن عبادة رضي الله عنه أهل لكل خير، ولو كان الخليفة من الأنصار، فسيكون اختيار سعد بن عبادة اختيارًا موفقًا لا ريب.
من هو سعد بن عبادة المرشح الأول للخلافة من قِبَل الأنصار؟
للأسف أننا لا نعرف سعد بن عبادة، أو نعرفه بصورة مشوهة، هو سيد الخزرج، وأحد النقباء يوم العقبة الثانية، وكان شريفًا في قومه، وكان يجير للمطعم بن عدي قوافله المارة بالمدينة قبل الإسلام، فهو عريق في الشرف رضي الله عنه، وكان ممن شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله مواقف مشهورة في الغزوات، ولا سيما في الخندق، حيث رفض إعطاء غطفان ثمار المدينة، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأيه في ذلك، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُجله، ويقدره، ويكثر من زيارته، وذلك لمكانته بين الأنصار رضي الله عنه، يروي قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زارهم في بيتهم فقال:
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.
قال قيس: فرد أبي ردًا خفيًا، فقلت لأبي:
ألا تأذن لرسول الله؟.
فقال: اتركه حتى يكثر علينا من السلام.
فقال صلى الله عليه وسلم:
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ.
وهنا ظن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا أحد بالبيت، فرجع، فتبعه سعد فقال:
يا رسول الله، إني كنت أسمع تسليمك، وأرد عليك ردًا خفيًا؛ لتكثر علينا من السلام.
فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم معه إلى بيته، وأمر له سعد بغسل، فاغتسل، ثم ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران، فاشتمل بها، ثم رفع يديه صلى الله عليه وسلم، وهو يقول:
اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتَكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى آلِ سَعْدٍ.
كان سعد رضي الله عنه جوادًا واسع الكرم والسخاء، كان الرجل من الأنصار ينطلق بالرجل من فقراء الصُّفة يطعمه، وينطلق الرجل من الأنصار بالرجلين، وينطلق الرجل من الأنصار بالخمسة رجال، أما سعد بن عبادة، فكان ينطلق بالثمانين منهم رضي الله عنه وأرضاه.
وروى مسلم عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه يشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبِدْ الْأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ.
ويبدو أن أحد الحضور قد شكك في كلام أبي أسيد رضي الله عنه وهو من بني ساعدة فقال:
أَتَّهِمُ أَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
لَوْ كُنْتُ كَاذِبًا لَبَدَأْتُ بِقَوْمِي بَنِي سَاعِدَةَ.
وبلغ ذلك سعد بن عبادة فوجد في نفسه حزن، وقال:
خُلِّفْنَا فكنا آخر الأربع- سعد بن عبادة من بني ساعدة- أسرجوا لي حماري، آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه ابن أخيه سهل فقال له:
أتذهب لترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم؟ أوليس حسبك أن تكون رابع أربع؟
فرجع وقال:
الله ورسوله أعلم.
وأمر بحماره فحل عنه.
هكذا ببساطة رضي أن يكون رابع القبائل في الخيرية، وممن سبقه بنو عبد الأشهل، وهم من الأوس، هذا مع كون سعد بن عبادة سيد الخزرج، لكنه كان وقافًا على كتاب الله، وعلى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فاكتفى بقوله الله ورسوله أعلم.
نعود إلى سقيفة بني ساعدة، إذن اختار الأنصار سعد بن عبادة رضي الله عنه، وكان مريضًا رضي الله عنه، ويجلس وهو مزمل بثوبه، ولا يكاد يسمع صوته، فأراد أن يتكلم بعد اختياره، فلم يقدر على إسماع القوم جميعًا، فكان يبلغ ابنه بالكلام، ويتحدث ابنه إلى الناس، فقال سعد بن عبادة رضي الله عنه بعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله:
يا معشر الأنصار.
ونلاحظ أنه لم يدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بعد، فليس هناك أحد من المهاجرين.
يقول: لكم سابقة في الدين، وفضيلة في الإسلام، ليست لقبيلة من العرب.
ونلاحظ هنا أنه يرفع شأن الأنصار فوق كل قبائل العرب بما فيها قبائل مكة وفيها قريش، لماذا؟ هو يفسر في خطبته فيقول:
إن محمدًا صلى الله عليه وسلم لبث بضع عشر سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأوثان، فما آمن به من قومه إلا رجال قليل، ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يعزوا دينه، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيمًا عموا به، حتى إذا أراد الله بكم الفضيلة، ساق إليكم الكرامة.
وهنا ما نسي أن ينسب سعد بن عبادة رضي الله عنه الفضل لله عز وجل. يقول:
وخصكم بالنعمة، فرزقكم الله الإيمان به، وبرسوله، والمنع له، ولأصحابه والإعزاز له، ولدينه، والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على عدوه منكم، وأثقلهم على عدوه من غيركم.
وطبعًا كلام سعد بن عبادة رضي الله عنه هنا كلام حقيقي وصحيح، فالمهاجرون في بدر مثلًا كانوا 82 أو83 بينما كان الأنصار231 رجلًا.
ثم يكمل سعد بن عبادة خطبته فيقول:
حتى استقامت العرب لأمر الله طوعًا وكرهًا، وأعطى البعيد المقادة صاغرًا داخرًا.
أي أن العرب جميعًا سلمت القيادة للمسلمين بفضل الأنصار.
يقول:
حتى أغنى الله عز وجل لرسوله بكم الأرض، ودانت له بأسيافكم العرب. وهنا سعد بن عبادة رضي الله عنه، وكأنه يشير إلى اعتقاده الراسخ أن العرب ستستهدف الأنصار بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الأنصار هم الذين أرغموا العرب على الإتباع.
ثم يختم سعد بن عبادة رضي الله عنه خطبته بكلمة جميلة فقال:
ثم توفَّى الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو عنكم راض، وبكم قرير العين.
مع قصر الخطبة في كلماتها إلا أنها كانت تحمل معان عميقة كثيرة، ويمكن القول إجمالًا أن سعد بن عبادة رضي الله عنه ذكر مفاخر الأنصار وأفضالهم، وحب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ووضع الأنصار بالنسبة للعرب.
ذكر كل ذلك لهدفين رئيسيين فيما يبدو لي:
الهدف الأول: هو رفع الحالة المعنوية للأنصار بعد المصاب الفادح بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفي الإحباط واليأس، والدعوة لاستمرار المسيرة كما بدأها، والثبات على أمر هذا الدين.
الهدف الثاني: هو التدليل على أحقية الأنصار في الخلافة، فيما يبدو لهم من حيث إنهم الذين نصروا، وآووا، وقاتلوا العرب، ومكنوا للدين.
وإجمالًا فالخطبة تعبر عن حكمة الصحابي الجليل سعد بن عبادة رضي الله عنه ورضي الله عن الأنصار والمهاجرين وسائر الصحابة أجمعين.
بعد انتهاء هذه الخطبة الموجزة دخل الصديق أبو بكر رضي الله عنه، ومعه عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما، ورآهم الأنصار، ويبدو أنهم كانوا لا يتوقعون ظهور المهاجرين الآن، فهذا قد يعطل البيعة، نعم، الأنصار استقروا على سعد بن عبادة رضي الله عنه، لكنه لم يبايع بعد، والأمر عرضة للنقاش الجديد والجدل، والذين دخلوا من المهاجرين ليسوا رجالًا عاديين، لقد دخل الصديق أبو بكر رضي الله عنه الوزير الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني اثنين، والصاحب القريب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه عمر بن الخطاب الوزير الثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والملهم المحدث، الفاروق، ومعه أيضًا أمين هذه الأمة أبو عبيدة الجراح، وإن صح القول فهو في مقام الوزير الثالث لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكثرة استشارة الرسول له، والاعتماد عليه في أمور كثيرة، وهذا مما دعا السيدة عائشة أن تقول كما جاء في صحيح مسلم عندما سئلت:
من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفًا لو استخلف؟
قالت: أبو بكر.
قيل لها: ثم مَن بعد أبي بكر؟
قالت: عمر.
قيل لها: من بعد عمر؟
قالت: أبو عبيدة بن الجراح.
ولقد مات أبو عبيدة رضي الله عنه في خلافة عمر رضي الله عنه سنة 18 هجرية، ولا شك أنه كان سيدخله في الستة الذين تركهم عمر لينتخبوا من بينهم خليفة، لو كان حيًا.
إذن الثلاثة الذين دخلوا على الأنصار هم أصحاب الرأي والمشورة من الصحابة، ولا شك أنهم يمثلون الآن رأي المهاجرين، إذن هنا ستحدث مواجهة، الأنصار يريدون سعد بن عبادة رضي الله عنه، والمهاجرون لم يفصحوا بعد عن رأيهم، ولكن لعل لهم رأيًا آخر، هنا حدثت لحظة هدوء وترقب، ترى ماذا سيقول المهاجرون؟
أيقرون بخلافة سعد بن عبادة الأنصاري أم يرشحون خليفة غيره؟
| |
|
gomo ا لإ د ا ر ه
مشاركات : 438 نقاط : 849 تاريخ الميلاد : 23/07/1992 العمر : 32 الابراج : العمل/الترفيه : لاعب كمال اجسام المزاج : تمام اوى تاريخ التسجيل : 27/04/2009 الجنس :
| موضوع: رد: خلافة أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -, الخلافة الراشدة الأولى الخميس 15 أكتوبر 2009, 19:09 | |
| ما حدث في سقيفة بني ساعدة
لنرَ كيف صور عمر بن الخطاب رضي الله عنه الموقف، كما جاء في صحيح البخاري ومسلم:
يقول عمر: فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم، قلت:
من هذا؟
قالوا: سعد بن عبادة.
وواضح أنهم قد وضعوه في مكان ما في صدر المجلس، فلفت نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولعله أدرك أنه قد رشح بالفعل للخلافة.
يقول عمر: قلت: ما له؟
قالوا: يوعك- أي مريض- فلما جلسنا قليلًا قام خطيبهم.
حدثت لحظة من الصمت، ثم أدرك الأنصار أن وجود هؤلاء المهاجرين الثلاثة قد يغير من الأمور، ويحدث ما لا يريدونه، فقام خطيب الأنصار يريد أن ينهي المسألة قبل أن يتكلم المهاجرون، وخطيب الأنصار هذا لا نعرف اسمه، لم يُشر إلى اسمه في الروايات الصحيحة، وإن كان ابن حجر العسقلاني يقول في (فتح الباري) أنه من المحتمل أن يكون ثابت بن قيس رضي الله عنه، فهو الذي كان يطلق عليه خطيب الأنصار، والله أعلم بحقيقة الأمر، المهم أنه أراد أن يتكلم كلامًا فصلًا، فقال كما في رواية البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
تشهد وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال:
أما بعد، فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط.
وفي رواية أخرى:
رهط منا.
هنا بوادر مشكلة، الخطيب الأنصاري يذكر أن الأنصار هم كتيبة الإسلام وأنصار الله، بينما المهاجرون رهط، أي: عدد قليل. وفي رواية أخرى: رهط منا. أي عدد قليل بالنسبة لنا، وكأنه التقط أن المهاجرون سيريدون الخلافة فيهم، فأسرع يبطل حجة المهاجرين بأنهم أعداد قليلة بالنسبة للأنصار، والأنصاري بالطبع يقصد المهاجرين قبل فتح مكة، والذين يعيشون في المدينة الآن، وإلا فلو اعتبروا أعداد القرشيين في مكة، والذين أسلموا بعد الفتح، فسيكونون أضعاف وأضعاف الأنصار، وبذلك فإن الخطيب الأنصاري ذكر هذا الكلام كتلميح أن الخلافة يجب أن تكون في العدد الأكبر، والذي نصر الإسلام في كل المشاهد، والمواقع بنسبة دائمًا ما تكون أكبر من المهاجرين، هذا كان من باب التلميح، ثم إنه بعد ذلك صرح، قال الخطيب الأنصاري:
وقد دفت دافة من قومكم- أي جاءت مجموعة قليلة من المهاجرين- فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا- أي يستثنونا من الخلافة في بلادنا- وأن يحصنونا من الأمر- أي يخرجونا منه- ثم سكت.
لقد صرح الأنصاري الآن بشيء لا بد أن يحدث بعده جدال طويل، فقد قال صراحة إنكم أيها المهاجرون، ويقصد أبا بكر وعمر وأبا عبيدة قد جئتم لتخرجونا من أمر هو يرى أنه حق الأنصار، فكيف يكون هذا؟
ها قد جاء موقف يقول فيه المسلمون:
نحن الأنصار.
و: نحن المهاجرون.
وهذا أمر خطير، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك تمامًا ونهى عن دعوى الجاهلية، والقبلية، ونهى عن فساد ذات البين، ولا بد من الحكمة الشديدة، والحرص البالغ في معالجة الموقف، وهو ما زال في بدايته، ويجب أن نلاحظ أن كل هذا الموقف يحدث نفس اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يدفن بعد.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
فلما سكت- أي الخطيب الأنصاري- أردت أن أتكلم، وكنت قد زورت مقالة أعجبتني- أي هيأت وحسنت- أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، فلما أردت أن أتكلم، قال أبو بكر:
على رسلك.
أي على مهلك، يعني أسكته، يريد أن يتكلم هو رضي الله عنه، ولعله خشي أن يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلامًا شديدًا يعقد الموقف.
يقول عمر رضي الله عنه:
فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر.
وعمر رضي الله عنه وكذا كل الصحابة، كانوا يجلون أبا بكر إجلالًا كبيرًا، وكان إذا تكلم رضي الله عنه أنصتوا، يقول عمر:
فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري، إلا قال في بديهته مثلها، أو أفضل منها
| |
|
gomo ا لإ د ا ر ه
مشاركات : 438 نقاط : 849 تاريخ الميلاد : 23/07/1992 العمر : 32 الابراج : العمل/الترفيه : لاعب كمال اجسام المزاج : تمام اوى تاريخ التسجيل : 27/04/2009 الجنس :
| موضوع: رد: خلافة أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -, الخلافة الراشدة الأولى الخميس 15 أكتوبر 2009, 19:11 | |
| كلمة أبي بكر في السقيفة
ماذا قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه أحكم الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم؟
لقد قسّم الصديق مقالته إلى ثلاثة أقسام أو ثلاثة مراحل في غاية الحكمة:
أولًا: يقول عمر:
فلم يدع الصديق شيئًا أنزل في الأنصار، أو ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ذكره.
يعني ذكر كل المديح الذي جاء في الأنصار ثم قال:
لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَ الْأَنْصَارُ وَادِيًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ.
وما ذكرتم فيكم من خير فأنتم أهله، وإنا والله يا معشر الأنصار ما ننكر فضلكم، ولا بلاءكم في الإسلام، ولا حقكم الواجب علينا.
بهذه المقدمة اللطيفة احتوى الصديق رضي الله عنه الأنصار، وأشاع جوًا من السكينة في السقيفة، ووسع في صدر الأنصار، وأعطى لكل ذي قدر قدره، هذا كله دون كذب ولا نفاق، إنما ذكر الحق الذي ذكره الله عز وجل ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: أما وقد سكنت النفوس، فليذكر الحق الذي لا بد منه، قال الصديق رضي الله عنه:
ولكن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، وهم أوسط العرب دارًا وأنسابًا.
والصديق هنا يحاول أن يوضح بهدوء للأنصار أن الحكمة تقتضي أن تكون الخلافة في قريش، لماذا؟
لأن العرب لن تسمع وتطيع إلا لهم، فمنهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أوسط العرب نسبًا وأكثر العرب قربًا لقلوب العرب؛ لمكانة مكة الدينية في قلوب الناس، فإذا كان الخليفة من قريش اجتمع العرب عليه مهما اختلفت قبائلهم، وإن كان من غيرهم لم يقبلوا به مهما كان هذا الخليفة رجلًا صالحًا عادلًا تقيًا، إذن ليست القضية تقليلًا، أو تهميشًا للأنصار، فإنهم فعلًا أهل الفضل، وأنصار الإسلام وليست القضية هي حكم المدينة المنورة فقط، حتى نختار حاكمًا من أهلها عليها، ولكن يجب أن يوسع الأنصار مداركهم؛ ليفقهوا أن هذا الخليفة المنتخب يجب أن يسمع له ويطيع كل العرب، ثم كل الأرض بعد ذلك، وحتى بفرض أن الأنصار اختارت رجلًا هو أتقى وأفضل من رجل المهاجرين، أليس من الحكمة أن يتولى الأصلح الذي يجتمع عليه الناس جميعًا؟
ليس هذا أبدًا من باب القبلية والعنصرية، ولكنه من باب فقه الواقع، والواقع يملي شروطه أن الخليفة يجب أن يكون من قريش، وبالذات في ذلك الزمان، ثم أليس في المهاجرين من يساوي في الفضل أو يفوق سعد بن عبادة رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين؟
لا شك أن طائفة المهاجرين مليئة بأصحاب الفضل، والرأي، والحكمة، والتقوى.
إذن هذا طرح جديد يقوم به الصديق رضي الله عنه، أن يكون الخليفة من قريش، وهو رأي منطقي ومعقول، وله أبعاده العميقة.
ثالثا: يكمل الصديق كلمته بالمحور الثالث، فألقى جملة رائعة، قال الصديق: وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم.
فأخذ بيد عمر بن الخطاب وبيد أبي عبيدة بن الجراح، وهو جالس بينهما. فالصديق رضي الله عنه يقصد أنه ما طرح فكرة أن يكون الخليفة من قريش طمعًا في الخلافة، ومع كونه أفضل المهاجرين، بل أفضل المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه يقدم أحد الرجلين عمر وأبا عبيدة بن الجراح، وذلك زهدًا في الخلافة، وبعدًا عن الدنيا، والصديق رضي الله عنه لا يقول هذا الكلام من باب السياسة، أو الحكمة، أبدًا، ففي ضوء سيرة الصديق رضي الله عنه نتبين أنه كان صادقًا تمامًا في عرضه هذا، وأنه ما رغب في إمارة، ولا سعى إليها، فلما بويع الصديق رضي الله عنه قام خطيبًا ذات يوم فقال:
إني وليت هذا الأمر وأنا له كاره، والله لوددت أن بعضكم كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أقم به، كان رسول صلى الله عليه وسلم عبدا أكرمه الله بالوحي وعصمه به، ألا إنما أنا بشر، ولست بخير من أحدكم، فراعوني، فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني.
هذا الكلام يخرج فعلًا من قلب الصديق، وعندما تولى إمارة المسلمين ما ظهر عليه ما يشير إلى رغبته فيها، كان عابدًا زاهدًا مجاهدًا، كان كثير التفكر، كثير السهر، كثير العمل، ولم يستمتع بدنيا، ولا بسلطة، ولا بقيادة، إذن فالصديق كان صادقًا في عرضه مبايعة أحد الرجلين عمر، أو أبي عبيدة بن الجراح، فالصديق كما نعلم قد أخرج خط نفسه من نفسه، وعلى عظم مكانته كان يقدر عمر، ويقدر أبا عبيدة، ويحفظ لهما مكانتهما، لكن على الجانب الآخر كان الصحابة جميعًا يحفظون للصديق مكانته ووضعه.
لما رشح الصديق عمر وأبا عبيدة للخلافة، ماذا كان رد فعلهما؟
يعلق عمر بن الخطاب على كلام الصديق بترشيحه، فيقول:
فلم أكره مما قال غيرها، والله لأن أقدم فتضرب عنقي، لا يكون في ذلك من إثم، أحب إليّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر.
وهكذا كان ابن الخطاب دائمًا يعرف للصديق فضله، ويتمنى صادقًا أن يموت في غير معصية، ولا أن يُقَدّم على الصديق، أيّ مجتمع عظيم هذا الذي يهرب فيه المرشحون للرئاسة بعيدًا عن الرئاسة؟
الآن أصبح هناك رأيان:
- رأي يؤيد مرشحًا من الأنصار، ويقف وراءه معظم رءوس الأنصار في المدينة.
- ورأي يؤيد مرشحًا من قريش ويقف وراءه ثلاثة فقط من المهاجرين. وكل له حجته ومنطقه، وهذا ليس خلافًا بسيطًا عابرًا، بل هو خلاف على ملك ورئاسة وسلطان، فلننظر إلى جيل القدوة كيف يتعامل مع اختلاف وجهات النظر... | |
|